فصل: فصل في أحكام الإجارة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في أحكام الإجارة:

مأخوذة من الأجر الذي هو الثواب فمعنى آجره استعمله بأجر أي بثواب على عمله من قولهم: آجرك الله أي أثابك. عياض: يقال أجرت فلاناً وآجرته بالقصر والمد، وكذلك أجره الله وآجره والإجارة بيع منافع معلومة بعوض معلوم وهي معاوضة صحيحة يجري فيها جميع ما يجري في البيوع من الحلال والحرام، فلابد أن تكون المنفعة والأجر مقدوراً على تسليمهما منتفعاً بهما ظاهرين إلى غير ذلك مما يشترط في البيع، وعرفها ابن عرفة بقوله: ببيع منفعة ما أمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا ينقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض بتبعيضها إلخ. فقوله: بيع أطلق البيع على العقد لأن الإجارة مباينة للبيع لا تدخل فيه، ولابد أن يأتي في الحد بالجنس الشامل للمحدود وغيره، ثم يخرج غيره بالفصول فلو قال: عقد على منفعة إلخ. لكان أحسن قاله الرصاع وخرج بقوله منفعة بيع الذوات، وبقوله ما أمكن نقله كراء الدور والأرض، وبقوله ولا حيوان لا يعقل كراء الرواحل، وبقوله غير ناشئ عنها القراض والمساقاة لأن المعقود عليه فيهما منفعة العامل والثمرة والربح ناشئان عن عمله، والضمير في قوله بعضه عائد على العوض، وفي تبعيضها على المنفعة، وخرج بقوله الجعل لأنه لا يتبعض فيه العوض بتبعيض المنفعة فقوله: بعضه إلخ. مخرج للجعل ومدخل للنكاح الذي وقع صداقه منفعة ما يمكن نقله أي: بعضه يتبعض بتبعيضها وبعضه لا يتبعض كالبضع، فإنه لا يتبعض بتبعيض المنفعة بهذا أجاب ابن عرفة عن زيادة لفظة بعضه إلخ. بعد ما توقف هو وأهل مجلسه في زيادتها، ورغب الله تعالى في فهمها ولو قال: جله يتبعض بتبعيضها يعني وغير الجل لا يتبعض كالبضع الواقع في مقابلة الوارد في قوله تعالى: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} (القصص: 27) الآية لكان أوضح وبعد هذا يعترض عليه كما للوانوغي بأنه يلزمه دخول الجعل بما دخل به النكاح فيلزم فساد طرده على أنه لو حذف لفظة بعضه، واقتصر على ما بعده لم يلزم خروج النكاح لأن تبعيض المنفعة فيه يوجب للأجير الرجوع في صداق المثل لأن المنفعة إنما وقعت في مقابلته حكماً، فإذا تبعضت تبعض مقابلها الذي هو صداق المثل فيأخذ منفعته منه، فالصواب حذف لفظة بعضه.
فرع:
قال البرزلي: صدر الإجارة في كتاب الغرر منها أن قال: بعتك سكنى داري سنة فذلك غلط في اللفظ وهو كراء صحيح، فأخذ منها إذا تعارضت الحقيقة المرجوحة، والمجاز الراجح عمل عليه، وفيه أقوال في أصول الفقه. اهـ. وكذلك قال في كتاب الصرف، منها: إن صرفت منه ديناراً بدرهم على أن تأخذ بها سمناً أو زيتاً وتسمى صفته ومقداره نقداً أو مؤجلاً، أو على أن تقبضها ثم تشتري منه هذه السلعة لأجل السلم فذلك جائز، والكلام الأول لغو فإن ردت السلعة بعيب رجعت بدينارك لأن البيع إنما وقع بالدينار، وإنما ينظر مالك إلى فعلهما لا إلى قولهما، وتأمل قول (خ) في العارية والأطعمة والنقود قرض، وانظر ما تقدم في التنبيه الخامس من التصيير فإن هناك ما يوافقه.
العَمَلْ الْمَعَلُومُ مِنْ تَعَيينِهِ ** يَجُوزُ فِيهِ الأَجْرُ مَعْ تَبْيينِهِ

(العمل المعلوم من) أجل (تعيينه) أي تعيين حده بالعمل أو بالأجل وذكر صفته، فالأول كقوله: أو أجرك على صبغ هذا الثوب أو دبغ هذا الجلد أو خياطة هذا الثوب، وبين له صفة الصبغ والدبغ والخياطة. والثاني كقوله: أوأجرك على بناء يوم أو خياطة شهر أو حراثة يومين ونحو ذلك، فالعمل الذي هو الدبغ والصبغ ونحوهما لابد أن يكون معلوماً لهما، ولابد أيضاً أن يكون محدوداً إما بالفراغ منه كخياطة ثوب وطحن أردب، وإما بضرب أجل كخياطة يوم أو صبغه ودبغه وطحنه فالمصنوعات أما أن تحد بالفراغ وبالأجل وغيرها كالرعاية والخدمة المعروفة ونحوهما يحد بضرب الأجل لا غير، فإن جمع بين الأجل والعمل كقوله: خط هذا الثوب في هذا اليوم بدرهم أو أكتري منك دابتك لتركبها إلى محل كذا في هذا اليوم أو أو أجرك لتوصل الكتاب لمحل كذا في هذا اليوم أو الشهر بدرهم، فهل تفسد مطلقاً أو إنما تفسد إن كان الأجل مساوياً للعمل أو أنقص منه لا إن كان الأجل أكثر من العمل فلا تفسد فيه؟ خلاف (خ): وهل تفسد إن جمعهما وتساويا أو مطلقاً؟ خلاف. ومن ذلك الاستئجار على بيع ثوب مثلاً، لكن لما لم يكن البيع في مقدور الأجير كان جعالة أن حده بالعمل وهو تمام العمل وإجارة إن حده بالزمن ويستحق أجره بمضي الزمن حينئذ وإن لم يبع (يجوز فيه) أي في ذلك العمل المعلوم (الأجر) أي تعويض الأجر الذي هو ثمن للعمل أي: يجوز معاوضته بالأجر الذي هو ثمن له وعليه، فلا حاجة لدعوى الاستخدام (مع تبيينه) أي الأجر أي تبيين جنسه وقدره وصفته إن كان غائباً عن المجلس، وإلاَّ فلا حاجة لذكر صفته ولا جنسه وقدره، وتقدم أن الإجارة كالبيع يشترط فيها ما يشترط فيه، ومفهومه أنه إذا لم يبين قدر الأجر لم يجز، وهو كذلك على المشهور. وروى ابن القاسم أنه لا بأس باستعمال الخياط المخالط الذي لا يكاد يخالف مستعمله دون تسمية أجر، فإذا فرغ أرضاه بشيء يعطيه إياه، ومن هذا أعمل على دابتي فما حصل فلك نصفه، وعن ابن سراج أنه أجاز إعطاء السفينة بالجزء مما يحصل عليها ومثله الجباح بالجزء من عسله والزرع ممن يحرسه بجزء منه، ومذهب السلف جواز الإجارة بجزء منه قياساً على القراض انظر (ق) أوائل الإجارة، وعلى ذلك تخرج أجرة الدلال بربع عشر الثمن مثلاً، ونص على جوازها بذلك صاحب المعيار في نوازل الشركة ومنه إعطاء البقرة لمن يرعاها، بنصف زبدها كما في نوازل الفاسي، وقد أجاز في المدونة كراء البقرة للحرث واشتراط لبنها مع جهل قدره، وانظر ما يؤيده في أول المزارعة أيضاً.
وَلْلأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكمَّلَهْ ** إن تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ ما قد عَمِلَهْ

(وللأجير أجرة مكملة إن تم) عمله كان صانعاً أو راعياً أو غيرهما (أو) له من الأجرة إن عاقه عائق عن الإتمام كمرض ونحوه (بقدر ما قد عمله) أي بقدر عمله فما مصدرية، وهذا إن لم يزل العائق حتى تمت المدة في الرعاية ونحوها، أو تراضيا على عدم الإتمام، وإلاَّ أجبر على الإتمام من أباه ويؤخذ من الآبي كفيل ويسجن له ويضرب إن تمادى على الامتناع، لأن عقد الإجارة لازم لكل منهما. فإن تروغ الراعي أو معلم الصبيان مثلاً وخرجا قبل انقضاء المدة من غير عذر ولا عائق، ففي ابن عرفة: سمع عيسى بن القاسم: من واجر أجيراً مدة معينة شهراً أو يوماً لعمل خياطة أو بناء أو غيره فراغ عنه حتى انقضى الأجل انفسخت الإجارة فيما بطل، وإن عمل شيئاً فبحسابه. اهـ. ابن رشد: هذا صحيح لا خلاف فيه. اهـ. ابن عرفة: وبه أفتيت في الراعي وأجراء الحرث لأشهر معينة يروغ الأجير في بعضها فيأتي بعد المدة أن له بحساب ما عمل. اهـ.
قلت: وما أفتى به وحكى عليه ابن رشد الاتفاق هو الذي شهره في المازونية. وقال في الطرر: إن به القضاء والعمل ومقابله أنه لا شيء له لأنه ترك ما كان يجب له بترك تمام ما عومل عليه قاله أبو ميمونة الدراس فقيه فاس وغيره وصدر به في الطرر قال: والأصل في هذا أن من أراد منهما قطع المعاملة فقد رضي بترك حقه إذا لم يتم شرطه، وهذا وجه القياس. اهـ. ونحوه في ابن سلمون وغيره، وعليه فهذا الأجير بتروغه وهروبه منع المستأجر من استيفاء منافعه التي باعها فهو ظالم متلف عمله على الذي استحقه فيجب عليه غرم قيمته لأنه بتروغه وهروبه غاصب لمنافع نفسه وغاصب المنافع يضمنها سواء استعمل أو عطل كما في (خ) وغيره. وإذا كان غاصباً للمنافع التي باعها فيجب عليه ضمان قيمتها بمنزلة من باع سلعة فأتلفها، وقد قال (خ): وإتلاف المشتري قبض والبائع والأجنبي يوجب الغرم، وقد تقدم قريباً أنه يجري في الإجارة ما جرى في البيع، وإذا تقرر هذا فما في السماع. وحكى عليه ابن رشد الاتفاق وشهره في المازونية مبني على أن الأجير لما كان معيناً تستوفى منه المنافع انفسخت الإجارة بتروغه لأنه بمنزلة تلفه، وهذا إنما يتم لو كان التلف بغير اختياره، وأما حيث كان باختياره فالواجب هو تضمينه قيمة المنافع التي تلفها فيحاسبه المستأجر له بقيمتها فإذا استأجر سنة مثلاً باثني عشر درهماً ورعى أو خدم ثلاثة أشهر منها وتروغ في الباقي، فإذا كانت قيمة هذا الذي تروغ فيه ستة دراهم قاصه بثلاثة منها في الثلاثة الواجبة له أي: وغرم الراعي له ثلاثة، وإذا رعى تسعة وتروغ في ثلاثة وقيمتها ثلاثة أو ستة لشدة بردها أو حرها في السنة، فإن المستأجر يغرم له في الأولى تسعة وفي الثانية يغرم له الراعي ثلاثة، وهكذا هذا هو الحق وعليه فقولهم لا شيء له ليس على إطلاقه، بل إنما ذلك في بعض الصور كما ترى، وإنما تركوا التفصيل المذكور اتكالاً على وضوح المعنى، وعلى هذا فلأرباب الغنم وآباء الصبيان أن يضمناه قيمة المنافع الباقية ويؤاجرا من يرعى أو يعلم الصبي عليهما بقية الأمد، فإن قدرا عليه يوماً ما أخذا منه ذلك إن زاد على ما وجب له فيما رعى، وإن نقص عنها كان له الباقي. هذا هو الذي تقتضيه الأصول، وقديماً كنت أفتي بمثل هذا، ويؤيده ما وقفت عليه لبعضهم ناسباً له لنوازل ابن سحنون بعد أن قرر الخلاف هل له شيء أم لا؟ قال، قال محمد، وأنا أقول: إن وقعت الإجارة بينهما فاسدة فله أجر مثله فيما رعى، وإن كانت صحيحة استؤجر على رعايته سنة معينة وليس له شيء إلا بتمام عمل السنة يعني ليس له إلا ما فضل عن تمام السنة إن فضل له شيء كما مر. نعم إذا لم يضمناه قيمة عمل الذي أتلفه ولم يؤاجرا عليه من يكمل له عمله، وجاء بعد انقضاء المدة يطلب ما وجب له، فإن له بحسابه، وعليه فيقيد النظم بما إذا عاقه العائق حتى انقضت المدة أو تراضيا على الفسخ أو لم يعقه شيء ولا تراضيا ولم يضمناه ولا واجرا عليه، فحينئذ يكون له بحساب ما عمل، وقد كثر السؤال عن هذه المسألة ويفتي فيها من لا تأمل معه بما في النظم من أن له بقدر ما عمل مطلقاً، وذلك غير سديد. وتعليلهم بأن له ترك ما كان يجب له في ماضي المدة بترك تمام ما عومل عليه في بقيتها كالصريح في أن ما استحقه لماضي المدة يؤاجر عليه به في بقيتها، والغالب أن ما استحقه في الماضي لا يفي بما أتلفه من عمله إن خرج بعد رعايته من السنة نحو الشهرين والثلاثة، فإن وفى به وزاد كانت له الزيادة لأنه قد يخرج ويبقى لتمام السنة نحو الشهر أو الشهرين، وإن نقص كان عليه النقصان فهم إنما أطلقوا اتكالاً على وضوح المعنى، ولهذا قال (ت): ينبغي اعتماد قول من قال لا شيء له، وحقه أن يقول يجب اعتماده إذ ما في السماع ضعيف المدرك كما ترى والله أعلم. وهذا كله في الأجير البالغ الرشيد، وأما غيره فله بحساب ما عمل حيث تروغ وأتى بعد انقضاء المدة لأن غير البالغ وغير الرشيد لا يضمنان ما أتلفاه من منافعهما لأنهما مأمونان عليهما. وقد قال (خ): وضمن ما أفسده إن لم يؤمن عليه فإن لم يتروغ وكان حاضراً وهو رشيد فإنه يضرب ويسجن ويؤخذ منه كفيل بذلك حتى يفعل كما مر، فإن تروغ وجاء قبل انقضاء المدة أو صح من مرضه أو زال عذره قبل انقضائها أيضاً، فإنه يجبر على إتمامها ويسقط من أجرته بقدر ما عطل، ولا يجوز إن كان نقده الأجرة أن يتفقا على قضاء مدة الهروب أو المرض بعد انقضاء مدة الإجارة ويأخذ جميع الأجرة لأنه فسخ ما في الذمة في مؤخر إذ قد وجب للمستأجر ما يقابل مدة الهروب من الأجرة فيفسخها في شيء لا يتعجله الآن، فإن كان لم ينقده جاز قضاء مدة الهروب بعد انقضاء مدة الإجارة لانتفاء العلة، وهذا كله مع التعيين، وأما مع عدمه كقوله: اعمله بنفسك أو بغيرك فهو من الإجارة المضمونة ولا تنفسخ بتروغه أو موته ويستأجر من تركته من يكمله، وإن لم يكن وفاء في التركة خص المستعمل غرماءه.
تنبيه:
إذا واجره على العمل بنفسه لا بغيره فقال في المتيطية: وليس للراعي أن يسترعي غيره إلا بإذن ربها في أحد قولي ابن القاسم. اهـ. ابن رحال: والراجح الضمان إن استرعى من هو مثله بغير إذن ربها، وأحرى إن استرعى من هو دونه. ابن ناجي: وهذا إذا لم يجر عرف البلد بأن الراعي يأتي بمن هو مثله لضرورة، وإلاَّ فلا ضمان اتفاقاً، وكذلك إن كان العرف إثباته بدونه لأن العرف كالنص. وفي البرزلي: إن الحارس يحرس الطعام فذهب واستخلف من لا يقوى على الحراسة قال: هو ضامن إلا أن يكون المستخلف مطيقاً على الحرس فلا ضمان البرزلي: والصواب الضمان إلا أن يكون استخلف لضرورة. اهـ. وتقدم في آخر كراء الرواحل ما إذا ذهب له بعض الغنم فذهب يفتش فوجد الأخرى قد ضاعت فانظره هناك.
فرع:
إذا واجر بعض الجماعة إماماً للصلاة أو الأذان فإن ذلك يلزم من غاب عن العقد كما أقامه ابن ناجي من المدونة، وبه أفتى ابن الحاج حيث جرى عرف القرية بذلك، وبه أفتى ابن هلال والقباب وسيدي يحيى السراج قائلاً: إن الناس يجب عليهم إقامة الجماعة والجمعة ويوظف عليهم أجرة الإمام على قدر رؤوسهم، وليس لأحد أن يمتنع، وقد نص على ذلك غير واحد من الشيوخ كالقاضي عياض وابنه وابن الحاج وغيرهم. اهـ.
قلت: وعلى هذا عمل الناس في البادية فيجب اعتماده ولا يلتفت إلى ما سواه، وانظر شرحنا للشامل أوائل الإجارة وعند قوله: فإن كانت أجرة الإمام من الأحباس إلخ. ففيه فوائد نفيسة مناسبة للمقام، وانظر فيه أجرة الكرائين والخط وحل المعقودين ونحو ذلك.
فرع:
قال في المتيطية: ومن كانت له غنم فباع نصفها على أن يرعى المبتاع نصفها، والثاني مدة معلومة جاز ذلك وتكتب فيه: باع فلان من فلان نصف مائة شاة ضئناً على السواء بكذا دينار أو قبضها منه أو أخره بها إلى وقت كذا، وعلى أن يرعى له المبتاع النصف الباقي على ملكه منها طول هذه المدة المذكورة، وقبض المبتاع جميع الغنم المذكورة بعد أن قلبها ورضيها وصارت تحت رعايته له نصفها بهذا الابتياع، والنصف الثاني باق على ملك البائع حتى يقتسماها إذا دعي أحدهما إلى ذلك، وعلى البائع خلف ما هلك أو باع من نصيبه مدة الاستئجار المذكور، ولهما سنة المسلمين في بيعهم واستئجارهم شهد عليهما الخ. اهـ. وفي المغارسة من العلمي أن الشيخ العبدوسي سئل عن شركة تقع من أهل البادية يبيع الرجل من الرجل نصف غنمه ونحوها بثمن معلوم مؤجل، فمنهم من يضرب للثمن أجلاً، ومنهم من لا يضربه، فإذا وقع النزاع بينهم يقول المشتري للبائع: أعطني أجرة الربط والحل، فهل البيع فاسد أم لا؟ وهل يلزم البائع في نصفه أجر الحل والربط، وإذا تطوع المبتاع بذلك فهل لامرأته قيام أم لا: فأجاب: بأنهما إن ضربا للثمن أجلاً فلا شك في الجواز، وأما إن جعلاه لوقت القسمة أو كانت العادة جارية بذلك، أو كان منهما إضمار على ذلك فالبيع فاسد، وعلى البائع أجرة الحل والربط حيث كان المبتاع ممن يأخذ ذلك عادة أو جهل حاله بعد أن يحلف أنه لم يقصد بذلك التطوع إلا أن يكون أشهد على ذلك أو لا. فلا يمين عليه، وإن كان ممن لا يأخذ ذلك عادة لنسبه وحسبه فلا أجرة له، وأما إن كانت المرأة في المتولية لذلك فإنما ترجع بذلك على زوجها إن كانت ممن تأخذ ذلك لأن زوجها لما تطوع به سقط عن البائع ووجب على زوجها لتطوعه فترجع على من وجب عليه لا على من سقط عنه، واشتراط الحل والربط على المشتري في أصل العقد إلى غير أمد معلوم لا يجوز، وإنما يجوز إلى أمد معلوم بشروط وبالله التوفيق. وكتب عبد الله العبدوسي. اهـ. ببعض اختصار وتأمل قوله: لأن زوجها لما تطوع إلخ. فإنه كثير الوقوع، وتقدم آخر بيع الفضولي جملة من ذلك، وقوله: إن كانت ممن تأخذ ذلك إشارة منه إلى القاعدة الآتية في البيت بعده.
وَالقَوْلُ للعامِلِ حَيْثُ يَخْتَلِفْ ** في شأْنِهَا بَعْدَ الفَرَاغِ إنْ حَلَفْ

(والقول للعامل) أي الأجير (حيث يختلف) هو ومن واجره (في شأنها) أي الإجارة أي في شأن عقدها (بعد الفراغ) من العمل فقال الأجير: ادفع لي أجرة الصبغ أو الخياطة مثلاً. وقال رب الثوب: لم أواجرك على ذلك، وإنما كان عندك وديعة أو قال صبغته أو خطته لي مجاناً، فإن القول للأجير إنه صبغه أو خاطه بأجر ويصدق في قدره (إن) أشبه و(حلف) أنه لقد واجره بما ذكر (خ): والقول للأجير إنه وصل كتاباً أو أنه اصطنع، وقال ربه وديعة إلخ. وإنما كان القول للأجير مع أن القول لمنكر العقد إجماعاً كما تقدم في اختلاف المتبايعين لأن الغالب فيما يدفع للصانع هو الاصطناع والإيداع نادر لا حكم له كما قاله اللخمي، وقوله في شأنها صادق بما إذا قال ربه وديعة أو مجاناً كما مر، وبما إذا سرق مني، وهذا الثاني يجب إخراجه من النظم لأن الحكم فيه عدم قبول قول الأجير كما قال (خ): وإن ادعاه وقال: سرق مني وأراد أخذه دفع قيمة الصبغ بيمين إن زادت دعوى الصابغ عليها إلخ. والفرق أن رب المصنوع في دعوى الوديعة معترف بأنه أذن في وضع يد الصانع على المصنوع بخلاف السرقة، ومفهوم قوله: حيث يختلف في شأنها أنهما إذا اتفقا على عدم عقدها أنه لا شيء على رب المصنوع وهو كذلك حيث كان رب المصنوع لا حاجة له في تلك الصنعة، أو كانت الصنعة مما يليها بنفسه أو عبيده، وإلا لزمه أجرة المثل. قال في الشامل: وكل من أوصل لك نفعاً بعمل أو مال وإن بغير قصد نفعك كان حرث أرضك ظاناً أنها له أو لم تأمره به مما لابد لك منه كحرثه أرضك أو سقيه إياها أو حصد زرعك أو طحن حبك أو حفر بئرك أو بناء دارك أو انفق على زوجتك أو ولدك أو عبدك لزمك أجرة العمل، ومثل المال الذي أنفقه على الزوجة ونحوها لأنه قد قام عنك بواجب، فإن فعل ذلك بقصد أن يأخذه لنفسه فهو غاصب لا شيء له، والقول قوله إنه فعل ذلك بقصد الرجوع بالأجرة، وبمثل المال المنفق فإن كان عملاً لا تحتاج له كحفر بئر في أرضك لا حاجة لك به، أو انفق على من لا تلزمك نفقته، أو كان العمل مما تليه بنفسك أو عبيدك أو دوابك فلا شيء عليك. اهـ. باختصار. وتقديم وتأخير وزيادة للإيضاح. وهذه الكلية ذكرها ابن حارث في أصول الفتيا في باب الضمان، ونقلها ابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة في باب الإجارة وسلموها، ولم يعترضوا منها شيئاً. انظر نصهم في شرح الشامل. ثم أشار إلى مفهوم قوله بعد الفراغ فقال:
وإنْ جَرَى النِّزَاعُ قبلَ العَمَلِ ** تَحَالَفَا والرَّدُّ بَيِّنٌ جَلِي

(وإن جرى) أي وقع (النزاع) بين الأجير ورب المتاع (قبل) الشروع في (العمل) أو بعد الشروع فيه بشيء يسير (تحالفا والرد) لعقد الإجارة أي فسخه (بين جلي) وظاهره مطلقاً كان نزاعهما في عقدها وعدم عقدها أو في قدر الأجرة أو في نوعها أو جنسها أو في انتهاء المسافة أو في ابتدائها، ونحو ذلك. وهو كذلك ولا يراعى شبههما ولا شبه أحدهما لأن القاعدة أنه لا ينظر لشبه قبل العمل (خ): وإن قال بمائة لبرقة، وقال بل لإفريقية حلفا وفسخ إن عدم السير أو قل وإن نقد إلخ. ثم أشار إلى مفهوم قوله في شأنها أي عقدها، وهو ما إذا اتفقا على العقد واختلفا في الصفة أو النوع أو القدر فقال:
وَإنْ يكن في صِفَةِ المَصْنُوعِ ** أَوْ نوعِهِ النِّزَاعُ ذَا وقُوعِ

(وإن يكن في صفة المصنوع) كقوله: أمرتني بصبغه أحمر، وقال الآخر: بل أصفر مثلاً (أو نوعه) كقوله: أمرتني بخياطة عربية وقال الآخر: بل برومية والمجرور يتعلق بقوله: (النزاع) وهو اسم يكن وقوله: (ذا وقوع) خبره.
فَالقولُ لِلصَّانِعِ من بَعْدِ الْحَلِفْ ** وَذَاكَ في مقدارِ أُجرةٍ عُرِفْ

(فالقول للصانع) في الصورتين (من بعد الحلف) وهذا إذا أشبه أشبه الآخر أم لا، فإن انفرد الآخر بالشبه لكون غالب أمثاله لم يلبسوا إلا الأصفر أو المخيط برومية فقوله: بيمينه فإن لم يشبها فأجرة المثل ما لم تزد على دعوى الصانع أو تنقص عن دعوى ربه فلا ينقص ولا يزاد. (وذاك) مبتدأ والإشارة إلى كون القول للصانع مع حلفه وشبهه (في) نزاعهما في (مقدار أجرة) بأن قال بعشرة وقال الآخر بل بثمانية (عرف) خبر والمجرور يتعلق به، وظاهره أن القول له في قدرها حيث أشبه وحده كان المصنوع محوزاً بيده أم لا. وهو كذلك فإن أشبه ربه وحده، فالقول له ولو محوزاً بيد الصانع، فإن أشبها معاً فالقول للحائز منهما، وإن لم يشبها معاً فأجرة المثل (خ) عاطفاً على ما فيه القول للصانع ما نصه: أو خولف في الصفة أو في الأجرة إن أشبه وحاز لا أن لم يحز كبناء.
وإنْ يَكُنْ مِنه نُكُولٌ حَلَفَا ** ربُّ المَتاعِ وَلهُ مَا وَصَفَا

(وإن يكن منه) أي الصانع (نكول) عن اليمين حيث القول له في هذه الفروع (حلفا رب المتاع) على دعواه (وله ما وصفا) من قدر الأجرة ومن الصبغ والخياطة ويؤمر الصانع بإعادة الصبغ والخياطة إن أمكنه ذلك من غير فساد، وإلاَّ ضمن قيمته أبيض من غير صبغ ولا خياطة.
وَالقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ المَتَاعِ في ** تَنَازُعٍ فِي الرَّدِّ مَعْ حَلْفٍ قُفِي

(والقول قول صاحب المتاع في تنازع) بينه وبين الصانع (في الرد) للشيء المصنوع فقال الصانع: رددته إليك بعد الصنعة. وقال ربه: بل هو باق عندك فالقول لربه (مع حلف) منه (قفي) بالبناء للمفعول صفة لحلف، وظاهره أن القول لربه سواء قبضه ببينة أو بغير بينة استصنع بأجر أو بغيره وهو كذلك لأنه قبضه على الضمان فلا يبرأ منه كما قال مالك: إلا ببينة بخلاف المودع عنده إذا قبض الوديعة بغير بينة فهو مصدق في الرد لأنه لم يقبضها على الضمان، وهذا كله في المصنوع الذي يغاب عليه كالثوب ونحوه، وأما ما لا يغاب عليه كغلام دفعه لمن يعلمه أو دابة لمن يعلمها حسن السير، فالقول للصانع في رده كقبول دعوى تلفه إلا أن يكون قبضه ببينة مقصودة للتوثق فلا تقبل دعواه الرد والتلف، والمقصودة للتوثق هي المقصودة بالإشهاد احترازاً مما إذا حضرت على وجه الإتفاق فشهدت بما وقع بمحضرها من غير أن يشهدها رب المتاع والصانع، فهذه البينة لم تقصد بالإشهاد، وإنما حضرت على وجه الاتفاق فهي كالعدم كما أوضحنا ذلك في شرحنا للشامل في باب الوديعة (خ) عاطفاً على ما لا يقبل فيه قول الصانع ما نصه: ولا في رده فلربه وإن بلا بينة إلخ. وفهم من النظم أن دعوى التلف والغصب كدعوى الرد فلا يقبل قول الصانع فيهما أيضاً لأن من لم يقبل دعواه الرد لم يقبل دعواه التلف والغصب إلا ببينة عليهما من غير تفريط ويضمن قيمة ذلك يوم الدفع، وليس لربه أن يقول: أنا أدفع الأجرة وآخذ قيمته معمولاً إلا أن يقر الصانع أنه تلف بعد العمل قاله في الموازية. ومحل الضمان إن غاب على المصنوع ونصب نفسه لتلك الصنعة لسائر الناس فإن لم يغب على المصنوع بل صنعه ببيت ربه ولو بغير حضوره أو بحضوره، ولو بغير بينة، أو لم ينصب نفسه لسائر الناس، بل كان يصنع لشخص خاص أو لجماعة مخصوصين فلا ضمان عليه فيما ادعى تلفه (خ) عاطفاً على ما فيه الضمان أو صانع أي عليه الضمان في مصنوعه لا في غيره، ولو محتاج له عمل، وإن ببينة أو بلا أجر إن نصب نفسه وغاب عليه فبقيمته يوم دفعه، ولو شرط نفيه أو دعي لأخذه إلا أن تقوم بينة أي بتلفه فتسقط الأجرة إلخ.
تنبيه:
ألحقوا السمسار بالصانع فلا تقبل منه دعوى الرد ولا التلف. قال في العمل المطلق:
والحقوا السمسار بالصناع ** فضمنوه غائب المتاع

فرع:
ذكر اللخمي وابن عرفة في كتاب الوديعة: من اكترى دابة فلما قدم قال: أودعتها لأنها وقفت علي في الطريق فإنه يصدق، ولو أنكر ذلك المودع عنده ولا ضمان عليه لأن الشأن دفع الودائع بغير بينة. اهـ.
والقَوْلُ لِلأَجِيرِ أَنْ كان سأل ** بالقُرْبِ مِنْ فَرَاغِهِ أَجْرَ العَمَلْ

(والقول للأجير) في عدم قبضه الأجرة (إن كان سأل) أي جاء يسألها ويطلبها (بالقرب من فراغه) كاليومين ونحوهما (أجر العمل) مفعول بقوله سأل، وهذا إذا كان قد دفع المصنوع لربه أو لم يحزه أصلاً كبناء وإلاَّ بأن كان المصنوع باقياً تحت يده، فالقول له في عدم القبض وإن طال (خ): وله وللجمال بيمين في عدم قبض الأجرة وإن بلغا الغاية إلا لطول فلمكتريه بيمين، وكان حق الناظم أن يؤخر هذا البيت عن الأبيات بعده لارتباطها بما قبله، وظاهر قوله بالقرب من فراغه أنه لا فرق بين الصناع وكراء الرواحل والسفن والدور والأرضين وغير ذلك، وهو كذلك. قال في المتيطية: وإن كان الكراء مشاهرة أو مسانهة واختلفا في الدفع صدق المكتري مع يمينه فيما انقضى من الشهور في المشاهرة، ومن السنين في المسانهة إلا في الشهر الأخير والسنة الأخيرة، فيصدق المكري مع يمينه إن قام بحدثان ذلك. قال بعض الموثقين: والشهر بعد انقضاء المدة في ذلك قريب انتهى. قال المكناسي في مجالسه: العرف بفاس أن القول قول المكري للدار ونحوها في سالف المدة ما عدا شهرين من آخرها فإن القول فيها قول المكري انتهى.
قلت: والعمل اليوم بفاس على ما للمكناسي بزيادة شهر فيكون القول للمكتري فيما عدا الثلاثة الأشهر الأخيرة، فإن القول فيها قول المكري مع يمينه في الدور والحوانيت والفنادق ونحو ذلك لا في الصناع والرواحل، فإن العمل فيها على ما في النظم والله أعلم. ثم إذا قلن يضمن قيمة المصنوع في دعواه التلف والرد يوم الدفع كما مر، فإن اتفقا عليها فلا كلام، وإن اختلفا فيها تواصفاه، ثم قوِّم، فإن اختلفا فالقول للصانع لأنه غارم، وهذا إن أشبه وحلف كما قال: بقي هنا بيت وهو:
بَعْدَ يَمِينِهِ لمِنْ يُنَاكِرُ ** وَبَعْدَ طُولٍ يَحْلِفُ المُستَأْجِرُ

وَالوَصْفُ مِنْ مُسْتَهْلِكٍ لمَا تَلفْ ** في يَدِهِ يُقْضىبِه بَعْدَ الحَلِفْ

(والوصف) مبتدأ (من مستهلك) بكسر اللام يتعلق بمحذوف صفة أي الكائن من مستهلك، وسماه بذلك لهلاك الشيء تحت يده ونكره ليعم الصانع والمرتهن والغاصب وغيرهم كما سيقول: وكل من ضمن شيئاً إلخ. (لما تلف) يتعلق بالوصف (في يده) أي المستهلك يتعلق بتلف (يقضي به) خبر أي يقضي بوصفه عند اختلافهما فيه دون وصف صاحبه (بعد الحلف) من المستهلك (خ): وإن اختلفا في قيمة تالف تواصفاه، ثم قوم، فإن اختلفا فالقول للمرتهن إلخ. (ز): ولو ادعى شيئاً يسيراً لأنه غارم، وقال أشهب: إلا أن يتبين كذبه لقلة ما ذكره، ونحوه قول المدونة: من غصب أمة فادعى هلاكها واختلفا في صفاتها صدق الغاصب في الصفة مع يمينه إذا أتى بما يشبه فإن أتى بما لا يشبه صدق المغصوب منه في الصفة حينئذ مع يمينه انتهى. وهو معنى قول الناظم:
وَشَرْطُهُ إتْيَانُهُ بِمشْبِهِ ** وَإنْ بِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ يَنْتَهِي

(وشرطه) أي شرط قبول وصفه مع الحلف. (إتيانه بمشبه) فإن أتى بما لا يشبه صدق الآخر إن أشبه وحلف، فإن نكل المستهلك أو قال لا أدري صفته صدق الآخر كما قال: (وإن بجهل أو نكول ينتهي) المستهلك بكسر اللام.
فَالقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ في وَصْفِهِ ** مُسْتَهْلِكاً بِمُشْبِهٍ مَعْ حَلْفِهِ

(فالقول قول خصمه) وهو رب المستهلك بفتح اللام (في وصفه مستهلكاً) بالفتح معمول بوصف (بمشبه) يتعلق بوصف (مع حلفه) متعلق بقوله خصمه أو حال منه، فإن لم يشبه رب المستهلك أيضاً فوسط من القيم بعد أيمانهما كما لابن ناجي، والظاهر أنه كذلك إذا تجاهلا أي ادعى كل جهل صفته، وهذا في غير المرهون، وأما هو فإنهما إذا تجاهلاه فالرهن بما فيه كما قال (خ): وإن تجاهلا فالرهن بما فيه، ولما بين أن القول للمستهلك بكسر اللام في وصف المستهلك بفتحها أشار إلى ما يضمنه بعد الوصف واليمين فقال:
وَكلُّ مَنْ ضَمِنَ شَيْئاً أتْلَفَهْ ** فَهْوَ مُطَالَبٌ بِهِ أَنْ يُخْلِفَهْ

(وكل من ضمن شيئاً أتلفه) من مثلى أو مقوم (فهو مطالب) بفتح اللام (به أن يخلفه) سواء أتلفه عمداً أو خطأ.
وَفي ذَوَاتِ المِثْلِ مِثلٌ يَجِبُ ** وَقِيمَةٌ في غَيْرِهِ تَسْتَوْجِبُ

(وفي ذوات المثل مثل) مبتدأ سوغه تقديم معمول الخبر عليه على حد قول ابن مالك: بها كلام قد يؤم (يجب) خبره والمجرور يتعلق به، وكان حقه أن يفرعه بالفاء فيقول ففي ذوات المثل إلخ. (وقيمة في غيره) أي المثلى وهو المقوم (تستوجب) أي يوجبها الشرع، والمثلى كل ما يكال أو يوزن كالذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس والحنطة والشعير وسائر المأكولات، والمقوم ما لا يكال ولا يوزن كالثياب وسائر العروض والرقيق والحيوان.
تنبيه:
من استهلك طعاماً في الغلاء وطولب به في الرخاء فإنه يلزمه مثله على المشهور، وكذلك من استهلك فلوساً فانقطع التعامل بها فإنه يلزمه المثل، وإذا تعذر المثل فإنه يصبر حتى يوجد كما قال (خ) في الغصب: والمثلى ولو بغلاء بمثله وصبر لوجوده ولبلده إلخ. وقولي: وطولب به في الرخاء احترازاً مما إذا طولب به في الغلاء وكان موجوداً فماطله المستهلك أو الغاصب أو المقترض حتى رخص فإنه يضمن قيمته وقت الطلب كما تقدم عند قول الناظم صدر البيوع: بأضرب الأثمان والآجال إلخ.
تنبيه آخر:
إذا أتلف عجل بقرة أو ولد شاة فإنه يضمن قيمة العجل وقت التلف ويضمن أيضاً ما نقص من حليب البقرة أو الشاة على أنها تحلب بنتاجها، وهذا إذا لم يكن اللبن هو المقصود منها وإلاَّ خير المالك بين أن يضمنه قيمتها أو يأخذها وما نقصها كما أشار له (خ) في فصل التعدي بقوله: فإن أفات المقصود كقطع ذنب دابة ذي هيئة أو لبن شاة هو المقصود لا إن لم يفته كلبن بقرة إلخ. وانظر أيضاً عند قوله في الدماء كجنين البهيمة، وانظر أيضاً من أتلف ثمرة قبل بدو صلاحها عند قوله في الشهادات كالإتلاف بلا تأخير للحصول. وانظر شرح الشامل لهذا النص الذي في الشهادات من رعى كرماً أو أشجاراً، وانظر من أتلف زرعاً قبل بدو صلاحه عند قوله في الشرب: وما أتلفته البهائم ليلاً إلخ. أي فإنه يغرم قيمته على الرجاء والخوف، قال ابن رشد: ولا خلاف في تقويمه إذا أيس من عوده لهيئته، وأما إن رعى صغيراً أو رجى أن يعود لهيئته فاختلف هل يستأني به أم لا؟ فقال مطرف: إنه لا يستأني به، وقال سحنون: يستأني به، وإذا حكم بالقيمة فيه على قول مطرف ثم عاد لهيئته مضت القيمة لصاحب الزرع وقيل ترد كالبصل يعود، وإذا لم يحكم بالقيمة حتى عاد لهيئته فإن القيمة تسقط. وقال أصبغ: لا تسقط، قال الشيخ بناني: وربما يستروح من كلام ضيح أن قول مطرف هو الراجح في الجميع انتهى. وقوله: مضت القيمة إلى قوله، وقيل ترد إلخ. صريح أن الزرع والقيمة يكونان لرب الزرع لأنه لم يأخذ القيمة إلا على الرجاء والخوف وهو الظاهر خلاف ما في حاشية الرهوني عن المقصد المحمود من أن الزرع يكون لدافع القيمة، والله أعلم.